د.حيدر علي الاسدي

ناقد واكاديمي

تعد القصص من امتع أساليب التعبير التعليمية للأطفال فان كتابة (القصة للأطفال ليست مجرد وسيلة للترفيه ، بل هي أداة تعليمية وتربوية تسهم في شخصية الطفل وتنمية قدراته المختلفة) كما سطرت ذلك على قفا الكتاب الكاتبة والساردة العراقية ( شيماء حسين) في مجموعتها (حكايات صوفيا وماريا) وبعنوان فرعي ( قصص مشوقة للأطفال) والصادر عن دار الابداع للطباعة والنشر والتوزيع عام 2024، والعتبة في العنوان ثمة إيقاع متجانس (صوفيا/ ماريا) وهما حفيدتا المؤلفة وكذلك الملمس اللطيف لورق الكتاب وحجم الكتاب والوان الصور التي ترافق القصص في متن الكتاب كلها اختيرت بعناية كبيرة ودقة سيكولوجية تتواءم مع رغبة المتلقي في مرحلته العمرية المستهدفة لكي يتفاعل بشغف مع هذه القصص ، تحاول القاصة في قصصها فضلاً عن زج الجوانب التربوية والتعليمية ان تصهر معهما روح الامل والتفاؤل والحياة والاشراقة لدى الأطفال من خلال اظهار الحياة مفعمة بالمسارات الايجابية وحث الأطفال على السلوك الإيجابي المنتج وهذا هو المقصد الدال في تأثيث هذه القصص وتعامل شخوصها داخل متن القصص : ( دخل الضيوف الى المنزل واخذوا يستمتعون بالديكور الجميل والرائحة الزكية التي تملأ المكان . جلسوا في غرفة المعيشة وبدأوا يتحدثون ويضحكون/ قصة ماريا وصوفيا ص11).ان الكاتبة من خلال قصصها كانت تحاول ان تؤثث لكل البيئات الإيجابية لنمو الطفل بصورة صحيحة وسليمة ومنها المدرسة من خلال قصة (ماريا وصوفيا والعام الدراسي الجديد) ومن خلال تلك القصص تقدم ثيم صغيرة تتلاحم مع الثيمة المركزية لقيمة الدرس التربوي والتعليمي (حب العلوم ، حب الرسم ، حب الغابات والنباتات والحيوانات، حب المساعدة….الخ) وتستمر المؤلفة في دروسها التعليمية وهذه المرة من خلال مفاهيم احترام الكبير ومساعدته من خلال قصة (ماريا وصوفيا ومساعدة الجدة العجوز/ص17) وكيف تحقق المساعدة لكبار السن السعادة والبهجة في قلوبهم اذ تتفق ماريا وصوفيا من خلال هذه القصة بان ” أفعال الخير والمساعدة لا تجعل الاخرين سعداء فحسب بل تمنحهما أيضًا شعورًا عظيمًا بالرضا والسرور/ص20) . ولابد من الإشارة الى ان الصور التي اختارتها المؤلفة بحركيتها الكارتونية انما تناغم حركية الأطفال في واقعنا الذي تقرأه شيماء بدقة وذكاء فهي (أي الصور) كلها حيوية وطاقة إيجابية واشراقة تسهم بتوضيح القصص ومعانيها من خلال تلك الرموز الايقونية كما في (الفراشة والوهم/ لؤلؤة والاخوة الثلاثة…) اذ تنشغل سردياتها بمفردات مشرقة وإيجابية ( النباتات ، الخضار، حميمية القرية ، الماء، الجمال، الابتسامة، الفراشات، السعادة، بالون ابيض، الحلم الجميل، النجوم) وكلها مفردات تدل على انطلاق بؤرة السرد من ذات ساعية للتعليم والتربية للأطفال من خلال أسلوب التعبير السردي هذا ، كما ان شيماء حسين من خلال بعض الرمزيات في قصصها هذه تحاول ان تحث الأطفال على متعة الاكتشاف والمغامرة والبحث عن السعادة والحقيقة من خلال الفضول الإيجابي الذي يوصل للحقيقة ومتعة التعلم باكتشاف هذه الحقيقة ، اذ ان اكثر ما يهيمن على هذه القصص المشوقة هو مفهوم السعادة فتحاول الكاتبة ان تؤسس لمفهوم السعادة من خلال تعدد أوجه هذه السعادة بالنسبة للأطفال فمفهوم السعادة ليس قاراً مطلقاً بل هو يتغاير وفقاً لأحلام الأطفال وتطلعاتهم وبساطة محيطهم وحياتهم وهي ذكية جيداً بهذا الاطار بالتحديد اذ تتوزع هذه السعادة بصورها المختلفة على اغلب قصص هذه المجموعة فأحياناً تكون السعادة (بالسلوك) (تعلمت ماريا ان العناية بالأسنان ليست مجرد واجب، بل يمكن ان تكون مغامرة ممتعة مليئة بالخيال والابطال وعاشت هي واسنانها سعداء في صحة وجمال دائمين/ ص100 من قصة فرشة الاسنان تتكلم مع ماريا) واحياناً في (رحلة البحث/ رمزية الخارطة والمغامرة) وتارة في سحرية وشاعرية (المكان/هذه الزهرة الزرقاء هي زهرة السعادة انها زهرة سحرية يمكن ان تمنح الفراشات الطاقة والفرح وتجعلها تشعر بالسعادة/ص81) فان البحث عن المتعة والتشويق في هذا المكان يمثل احد وسائل السعادة وأخرى تتعلق بطريقة تعامل الأطفال مع الأشياء من حولهم (الألعاب، البيت، الأصدقاء) وهكذا فان مفهوم السعادة يعد من ابطال ثيم شيماء في جميع القصص وهي ان يترسخ كقيمة معرفية في المعنى السردي المرسل (للطفل المستقبل لتلك الفكرة) ان المؤلفة تحاول ان تخلق بيئة مادية إيجابية للأطفال من خلال كمية المفردات المدورة في القصص ( الغابات الخضراء ،النخيل، الزهور، حدائق سعيدة ، العاب ملونة ومشوقة، الغيوم، أوراق العنب، تلال التوت الأحمر، المناظر الطبيعية الجميلة، قوس قزح، القمر) وهي بهذا تدرك أهمية البيئة المادية وانعكاسها السيكولوجي على سعادة وتعلم الأطفال وهذا الاستخدام الذكي الاخر في تأثيث كل قصص هذه المجموعة وهو يدل على تجربة دقيقة وعميقة بالتعامل مع الأطفال وفقاً للاحتياج العمري الذي يرتبط بالناحية السيكولوجية للفئات العمرية التي تبعث لهم المؤلفة رسائلها في مجمل هذه القصص السردية .

ولان للحيوانات الفة خاصة مع الأطفال فان الكاتبة لم تغفل ذلك في متون سردها وبخاصة (العصافير/ الفيل الطيب، الفأر الذكي، الفراشات) فان علاقة الاطفال بالحيوانات من خلال السرد تنمي العديد من المهارات والصفات الايجابية للأطفال وبخاصة المهارات الاجتماعية والعقلية وتنمية مشاعرهم في التعامل مع الصعوبات والتحديات وتعطيهم معنى القيمة بالتعامل مع هذه الكائنات ففي (كتاب حديقة الحيوانات الثقافية) اشارا الكاتبان ديفيد دبليو. كروجر ولورين ن. كروجر إلى أن الحيوانات في قصص الأطفال قد تنمي في المقام الأول الحياة العاطفية للطفل، لأنها توفر له تجارب شعورية تستفز عقله الواعي واللاواعي في الوقت نفسه. فضلاَ عن تنمية السلوكيات المقبولة ورفض السلوكيات غير المقبولة. ان المؤلفة في قصصها هذه تحيل كل الدروس التربوية والتعليمية التي ممكن ان يتلقاها الطفل في المدرسة والمنزل الى سرد مشوق ممكن ان يتعلم من خلاله الأطفال الصفات الإيجابية التي تنمي قدراتها وتنشئهم بصورة صحيحة وفقاً لنظريات التربية والتنشئة الصحيحة من الناحية السيكولوجية والسيسولوجية التي يرغبها كل الإباء والامهات. انها دعوة صادقة لقراءة هذه المجموعة وتقديمها للأطفال بطرق شتى.

التصنيفات: أدبنقد