
فاطمة حسين العامري
تعد محافظة البصرة الشريان الاقتصادي الرئيسي للعراق، حيث تحتوي على أكثر من 70% من الاحتياطي النفطي الوطني، كما تضم أغلب الحقول النفطية والموانئ التصديرية، إلا أن هذه الثروة تحولت إلى نقمة على سكانها ، نتيجة الأضرار الجسيمة الناجمة عن المخلفات النفطية، إلى جانب الإهمال الحكومي في تعويض المحافظة بما يعرف بمستحقات “البترودولار” ، التي كان من المفترض أن تكون وسيلة لمعالجة هذه الأضرار.
فمن الناحية البيئية، تشهد البصرة تلوثا واسع النطاق في التربة والمياه والهواء. حيث تؤدي عمليات استخراج النفط إلى تسرب المواد السامة إلى التربة، ما يلحق أضرارا بالغة بالأراضي الزراعية ويقلل من خصوبتها ، فيما يسبب تصريف المياه الصناعية والنفطية الملوثة إلى الأنهار والقنوات الرئيسية تلوثا حادا في المياه، انعكس على صحة المواطنين، وأدى إلى نفوق الأسماك وتدمير الثروة المائية. ولا يقل تلوث الهواء خطورة، إذ تنتشر في المحافظة مئات المشاعل النفطية التي تحرق الغاز المصاحب، فتطلق كميات هائلة من الغازات السامة التي تؤدي إلى تدهور نوعية الهواء وزيادة نسب الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والسرطانات.
أما على الصعيد الصحي، فإن السكان يعانون من آثار كارثية نتيجة هذا التلوث المستمر. فقد سجلت نسب مرتفعة من الأمراض السرطانية، وخصوصاً لدى الأطفال، إلى جانب ارتفاع معدلات التشوهات الخلقية والإصابة بأمراض الجهاز التنفسي. كما تعاني المستشفيات من ضعف الإمكانيات في مواجهة هذا العبء الصحي المتزايد، في ظل غياب الدعم المالي الكافي.
ورغم هذه الأضرار الواضحة، لم تمنح البصرة مستحقاتها العادلة من مخصصات البترودولار، وهي المبالغ التي كان يجب أن تخصص لها مقابل كل برميل نفط يستخرج أو يكرر أو يصدر من أراضيها ، وذلك بهدف معالجة الأضرار البيئية والصحية الناتجة عن الصناعة النفطية. لكن هذا الحق أهملته الحكومات المتعاقبة، إما بتقليص المبالغ أو بعدم صرفها أصلا ، مما أدى إلى تدهور البنية التحتية، وانعدام الخدمات الأساسية، وازدياد نسب البطالة والفقر، في مفارقة مؤلمة أن أغنى محافظات العراق تعيش أسوأ ظروف معيشية.
إن الواقع الذي تعيشه البصرة يعد صورة صارخة للتناقض بين الثروة والحرمان، ويكشف عن خلل عميق في توزيع الثروات وإدارة الموارد الطبيعية وتبقى المخلفات النفطية والبترود ولارعنوانين بارزين الملف كبير من الظلم والإهمال، لا يمكن معالجته إلا بإرادة سياسية حقيقية تعيد للبصرة حقوقها ، وتحمي سكانها من تبعات ثرواتهم التي يدفعون ثمنها من صحتهم وبيئتهم ومستقبلهم.