د. حيدر علي الاسدي
ناقد وأكاديمي

يعد موضوع الحركة الزنجية من أهم الموضوعات التي شغلت الحراك الفكري العالمي وبخاصة بعد الحربين العالميتين ومع الأصوات العالمية المنادية بحقوق الأقليات والاعراق ومحاولة انخراطها ضمن بنى المجتمع الغربي وأيضاً في أمريكا وذلك نتيجة ما تعرض له الزنوج طيلة السنوات الماضية من معاناة وعزلة واغتراب وتعرض هويتهم ووجودهم الى الإساءة من الاغيار وعدهم من الهوامش في هيكلية المجتمعات الإنسانية،فتمثل قضايا المجتمع الافريقي (الزنوج) أحدى أهم الإشكاليات الجدلية ابتداءً من استعمار الغرب لتلك المجتمعات الافريقية وحتى رواج مفهوم العبودية وتجارة الرقيق وصولاً الى تمكن الرجل الزنجي من التعايش والانخراط ضمن بنى المجتمع الغربي سواء في البلدان الاوربية او حتى في أمريكا بوصفها احدى اهم البلدان التي كانت منطقة صراع جدلي بين الزنوج والبيض، لذا تحولت هذه المعضلة الحضارية والمجتمعية من واقعها المحلي الى بعدها العالمي بطبيعة انتشار ما يسمى بحركة الزنوج واتساع رقعة مطالبهم وارتفاع أصواتهم عن طريق عكس البعد السياسي والحضاري في هذه الحركة من خلال ما ينتجون من خطابات ثقافية متجلية في الآداب والفنون وبالتحديد من خلال الأدب المسرحي لدى العديد من كتاب المسرح العالمي، فكان صوت الزنوجة يصل بصورة اكثر انتشاراً من خلال هذا الفن التعبيري المهم لدى المجتمعات الغربية ، وهو السبب الذي دفعنا للحديث عن الملامح الاجتماعية لصورة المجتمع الزنجي في نصوص المسرح العالمي في محاولة تقصي لصورة الفرد الزنجي في الادب المسرحي العالمي وكيفية رسم الشخصية الزنجية والتعاطي مع قضاياها من خلال

الكتابات المسرحية العالمية. في هذا الصدد سنتحدث عن مسرحية (الظباء) للكاتب المسرحي السويدي (هنينغ مانكل). اذ تعد مسرحية الظباء للمؤلف هنينغ مانكل بياناً ثقافياً وسياسياً مسانداً لأوضاع الافارقة المشينة والمتردية وهي دفاع واضح وصريح عن حقهم في الحياة، فالكاتب يطرح مشكلة المجتمع الافريقي والزنوج على وجه التحديد من خلال العقلية الاوربية المتعالية والمستغلة، يتمظهر الخطاب الاشكالي منذ الافتتاحية عن الشخصية الافريقية اللامرئية التي يوسمها بانها : نسمعها ولا نراها كدلالة على ان البيض يتعامون عن الحقيقة التي يعرفونها حق المعرفة، لكنهم يتجاهلونها لصالح البراغماتية التي تسود سلوكهم ومعاملاتهم، فضلا عن اعتقاد الكاتب بان الغرب يقدم المساعدات الى افريقيا لا من اجل ان يعيشوا وانما لكي يموتوا لان مساعدات التنمية لا تحل مشاكلهم الجوهرية بل تصرف لتنمية الفساد الاداري والاستغلال الاقتصادي ،كما ان عتبة المسرحية (الظباء) تمثل بتعبير الكاتب رمز للحرية والسرعة والرشاقة ولكنها ايضا هشة فهي فريسة سهلة للحيوانات المفترسة وهي دلالة على الأطفال الافارقة (الزنوج) والذين يستغلهم الفرد الغربي ( الأبيض ) ، وتظهر المسرحية الزنوج على ان ارواحهم رخيصة وموتهم سهل جداً بحيث لا يشكل قتل زنجي اي تأثير يذكر وهذا ما يتوضح في موضوع هذه المسرحية: ((المرأة : عند الفجر افريقي مقتول وجدناه ملقى على درج بيتنا ، احد الكلاب مزق حنجرته ربما كان في الخامسة عشرة؟ سارق….))( ) وتستمر النظرة الاستعلائية العنصرية ضد الرجل الزنجي من خلال الشخصيات الاوربية الذين يشكلون الحضور الأبرز في هذا النص المسرحي فيظهر الزنجي على انه سارق وقاتل وليس يشكل محل ثقة ليعمل حارساً ، بل يرمز الى البلاهة والغباء وعدم امتلاكه الوعي بما يجري حوله

وهذا ما يرد على لسان الرجل الأوربي في حواراته مع زوجته هذه المسرحية : ((المرأة : لماذا تريد طرد ايزنهاور ؟ .الرجل : ينام وعندما لا ينام يسرق. المرأة: وماذا يسرق؟ . الرجل: يأكل طعام الكلاب. المرأة: انه جائع . الرجل: لا يهم اعطيه راتبا كي يحرسنا وليس لسرقة طعام الكلاب. المراة: لديه ثلاثة عشر طفلا واقارب عائلة من ثلاثين فردا يجب ان يطعمهم جميعا)) ان الشخصية الرئيسية في المسرحية التي تمثل الرجل الغربي كانت تتمتع بنظرة استعلائية واضحة فهي في كل الأحوال ترمي بكل الصفات السلبية على الزنوج من المواطنين الافارقة ، بل وتعمل على تحقيرهم ووصفهم بانهم كسالى وانهم قتلة ومغتصبون وذلك من خلال الباس الشخصية الزنجية (قناع الكراهية) للفرد الأبيض وهي رؤية تبادلية من حيث المفهوم لإشاعة الكراهية فهي تبدر من الفرد الأبيض إزاء الزنجي وليس العكس ، فالزنجي تصدر سلوكياته بناء على ردات فعل للتصرف العدائي البادي في سلوكيات الرجال البيض ، ان هذه تمثل وجهة نظر المجتمع الأوربي إزاء المواطن الزنجي سواء كان في دائرتهم الحدودية او حتى في مجتمعاتهم المحلية: ((الرجل: كان عليه ان يأخذ معولا ويحرث الارض لكن هذا لم يفعله ، مات على درجنا لانه كان كسولا يجب ان تفهمي كيف تجري الامور لو كان في مقدوره فيتسلل الى هنا ، انه سيقطع راسي وانت سيغتصبك قبل ان يقتلك ثم سيسرق كل ما سيتمكن من حمله ، هكذا تحدث الامور، انهم يكرهوننا)) من بين الأمور التي تشكل حالة من حالات العنصرية إزاء الزنوج هو وصف الزنوج بالحيوانات وكريهي الرائحة والذين يمتلكهم العناد وعدم إمكانية التفاضل القائم على الحكمة والعقل فيشكو الرجل الغربي لزوجته بان هؤلاء الزنوج لا يصلحون للتفاوض بالحالة الطبيعية ويمثل التحاور والتفاوض الحضاري معه حالة صعبة من الاندماج والتعايش او حتى التحاور الحضاري المتبادل والوصول الى قناعات او وجهات نظر متقاربة مما يجعله يتمتع بالقطيعة التامة وعدم الحوار مع الزنوج : ((الرجل: انت تعرفين التفاوض مع السود العنيدين ذوي الرائحة الملحية والتعرف والعطور السيئة في الامكنة التي حفرنا بها اباراً، لماذا تسألينني هذا السؤال)) ولعل أبرز صور الاستغلال والاستلاب والاهانة التي يتعرض لها الزنوج ومجتمعهم المحلي في هذا النص المسرحي عبر تصوير الشخصية الرئيسية في هذه المسرحية لدونية الفرد الزنجي وبخاصة (الأطفال) اذ يمارس الرجل الغربي غروره وانحطاطه وانحرافه السلوكي حينما يذهب الى قسر الأطفال على تصويرهم بحالات خاصة مخلة مقابل الأموال وهي يريد ان يقول بذلك ان الزنجي ممكن ان يفعل أي شيء من اجل لقمة العيش وبضعة الموال ، وهذا التصرف الذي اثار زوجته التي اعتبرته سلوكاً مشيناً لا يتصف بالإنسانية وتمثل زوجته الصوت المتعقل الاخر من الخطاب الغربي الذي يرى في انتهاك حقوق الزنوج حالة من حالات العنصرية المقيتة : ((المرأة: تقدم للفتيات الصغيرات نقودا قذرة وربطات عنق قديمة كي تصورهن في اوضاع مخلة)) ثم يذهب الرجل الغربي الى ابعد من ذلك حينما يصف هؤلاء الزنوج بالتخلف هم وانظمتهم الحاكمة ومؤسساته في افريقيا ، فيعمل على انتقاد الوضع الاقتصادي في تلك البلدان وانهم غير قادرين على مواكبة التطورات الحضارية والتقنية المبهرة في اوربا فيركز على هذا الموضوع بوصفه حالة من حالات التخلف لدى الزنوج الذين لا يثق بهم ويتندر على اسلوبهم في ضيافة الغرباء ويستقبح أسلوب النادلات وربابنة الطائرات لانهم من الشباب ويوسمهم بالتخلف نتيجة عدم مواكبتهم للتطورات الصناعية المتقدمة في اوربا هو يدرك تماماً ان مجتمعهم الأوربي كان احد اهم عوامل تراجع البلدان النامية وذلك عبر ماكينة الاستغلال الرأسمالي والشركات والحكومات الغربية التي استولت على ثروات البلدان الافريقية موطن الزنوج: ((الرجل: انا اتفادى السفر مع الشركات الافريقية، الله وحده يعلم كيف تتم عملية صيانة طائراتهم لطف النادلات فظيع ، لكن الربابنة غالبا ذوو شباب مقلق نتساءل ان كان يتجاوزهم قليلا عالم الإلكترونيك)) لعل احد اهم صفات العبودية تتمثل بحالة الخضوع وهي المأخذ التي تسجل ضد الفرد الساعي للعيش بكرامة ،وان كانت هذه الصفة الذميمة موجودة في زمن الرق والعبودية الا ان الشخصية الاوربية في هذا النص المسرحي يحاول ان يؤكد وجودها حتى الان بشخصية الفرد الزنجي : ((الرجل : من ؟ مولوسا ، انه كاذب وكسول ولكنه مهذب ينتمي الى الجيل الافريقي الذي تعلم فن الخضوع )) ويكشف المؤلف عبر حوارات شخصياته المسرحية ان ثمة أسباب متنوعة لتدهور أحوال الزنوجة ومنها الحروب الاهلية والتقاتل الداخلي والانقلابات العسكرية المستمرة وعكسرة المجتمع بالكامل وهو ما شكل خطورة على حقوق الانسان وكرامته في تلك البلدان التي تفتقد للامان وللعيش الكريم ، وهو ما فاقم من مستوى معيشة المواطن الزنجي وهذا الامر من صالح البيض لانهم سيمنحهم فرصة التفرج على الزنوج وهم يتقاتلون فيما بينهم سعياً للخلاص منهم ومن المشاكل التي يسببونها للمجتمع الأبيض : ((لوندين : كانت الامور مضطربة في السنين الاخيرة ، صدامات وثورات بسبب الجوع ، انقلاب عسكري كاد ينجح اعدامات لا تتوقف. الرجل: لم تكن أفريقيا هادئة ابداً لكن الان الافارقة يقتلون بعضهم ونحن البيض يمكننا ان نتنفس الصعداء))
وتستمر حالة الكراهية وتشويه صورة الزنجي من خلال وصفه بأبشع الاوصاف التي تقترب من الوصف الحيواني لهذا الفرد ، وهو ما يؤكد نظرة المجتمع الغربي فهذه الاوصاف البذيئة التي تطلق على الفرد الزنجي انما تفضي الى (حالة عامة) تترسخ في ذهنية المجتمع الغربي (الأبيض) الذي يعتقدون بتوازي السلوك الزنجي مع السلوك الحيواني فهو سلوك بربري همجي لا يمت بصلة للإنسانية والتعقل البشري وهو ما يلاحظ بهذا النص المسرحي الحافل بهذه النظرة إزاء الزنوج ومجتمعهم الأسود : ((الرجل : تفوح منه نتانة؟ .لوندين : ليست هناك ست وثلاثين طريقة للرائحة القبيحة انها رائحة…تشبه شيئا يتعفن. الرجل: مثل امعاء خروف متعفن. لوندين: ربما! لا اعرف رائحة أمعاء الخروف المتعفنة. الرجل: تريد ان تقول انه لا يستحم؟.لوندين: بدا كذلك.الرجل: تفوح منه رائحة السخام. لوندين: نعم. الرجل: الحارس الليلي؟ .لوندين: الافريقي الذي فتح الباب)) ناهيك عن وصف الزنجي بشتى الاوصاف التي تقلل من شأنه الثقافي وتمحي عنه صفة (الوعي) وهي رؤية تكمن في جوهر بعض فلاسفة الغرب الذين صنفوا الرجل الزنجي (الافريقي) ضمن تصنيفات لاحقة تأتي بعد الرجل الأبيض وهي رؤية تتسم بغرور واستبداد المركزية الغربية التي تعتقد ان الزنجي هو اقل مرتبة بشرية منهم وانهم كيان خطر يجب الحذر بالتعامل معه وفقا لرؤية شمولية لا تتسم بالدقة كما يتوضح في حوارات الرجل (الغربي) مع لوندين في هذا النص المسرحي: ((الرجل: لكنه زنجي بله وبليد، مهم ان تكسبه الى جانبك لكن يجب ان تحتاط منه لأنه يمكن ان يصبح خطيراً. لوندين: اعرف كيف اتعامل مع هؤلاء انهم في كل مكان يتشابهون)) ويستمر التهكم على الرجل الزنجي وعلى المجتمع الزنجي برمته من خلال رؤية الرجل الغربي (الشخصية الرئيسة) في هذا النص المسرحي والذي يشكك بسلوك الفرد الزنجي وانه لا يكترث للسلوك الجميل من (المقابل) وفق رؤية غيرية تتسم بالتطرف والانتهاك للأخر عبر تشويه صورته وبث خطاب الكراهية له وازدراءه بصورة شمولية تشكل ذاتها فلسفة الوعي الغربي إزاء هؤلاء الزنوج :((الرجل: ماذا يعرف نائب رئيس مجلس الادارة الخباز من فايرمون عن افريقيا؟ ………يعتقد دوما ان الزنوج يخضعون ما ان تشد اذانهم ويعتقد ايضا انهم يعترفون بالجميل، ولكن الواقع انهم بعيدون وبعيدون جدا سيصاب بالذكر ان رأى زنجياً يسير في احد شوارع فايرنامو مرتديا بذلة)) ثم يحاول الصوت المضاد في هذا النص المسرحي من فضح مشاريع الغرب ودخولهم للبلدان الافريقية وطريقة تعاملهم مع الزنوج من خلال مشاريع شبه وهمية همها من خلال اقامتها هو التكسب غير المشروع وهي خاضعة للفساد الرأسمالي المنحط الذي يحاول الهيمنة على كل الثروات الافريقية بمشاريع وهمية لا تمت للواقع بصلة مستغلين احتياجات الفرد الزنجي في تلك المجتمعات ولاسيما (الماء) الذي يعد جوهر الحياة البشرية مستغلين هذه النقطة للولوج الى المجتمع الافريقي ومحاولة استغلال أوضاعه بل وتحويلها الى (أسوأ) مما هي عليه : ((المرأة: تعمل ثلاثة ابار بعد عشر سنوات من العمل بعد مائة مليون كورونة ثلاثة ابار تعمل ..الاوضاع لم تتحسن فقط بل صارت اسوأ)) ليختم نصه المسرحي بالحوارات التي تدل على استمرار النظرة الاستعلائية الغربية إزاء المواطن الزنجي الذي يبحث عن العيش بكرامة، من خلال طرح النص المسرحي هذا تصور الشخصية الغربية بان هذا الحلم بالنسبة للزنوج بعيد المنال لانهم لن يستطيعوا الوصول الى ما وصل اليه الرجل الأبيض مهما حاولوا : ((المرأة: وفقراء هذا البلد جميعهم الذين يجب ان تساعدهم ماذا يرون . الرجل : يحلمون بالمستحيل، يحلمون ان يعيشوا مثلنا)) يمثل هذا النص المسرحي رؤية واضحة إزاء الزنجي ويتمثل على العديد من السلوكيات السلبية المنبثقة من طبيعة المجتمع الغربي ونظرته الى الفرد الزنجي مثلها الكاتب المسرحي هنينغ مانكل في هذا النص المسرحي وتجلت بشخصياته الرئيسة بالتحديد ( الرجل الغربي) الذي يمثل النموذج الأمثل لعنصرية المجتمع الغربي ورؤيتهم الاستعلائية للزنوج الافارقة. ان الكاتب المسرحي كان يزور افريقيا ليقدم الخدمات لهم فهو ليس ببعيد عن هذه الاجواء ليخرج لنا بمسرحية تحدثت عن المجتمع الزنجي الذي يموت جوعاً بينما تسرق ثروته امام عينه من قبل الحكومات الغربية والشركات الاجنبية التي تقتل حيواناتهم لأخذ العاج ولحم الظباء وجلود الفهود وتستغل اطفالهم ونساؤهم بصورة بشعة، فتحول حياة الزنوج الى جحيم بهذه التصرفات العنصرية التي تنطلق من نظرة التعالي والاستكبار، وفي الختام يمكن القول ان تمثل أساليب الإهانة والخضوع والكراهية والتفرقة والتشبيه الحيواني احدى أساليب المجتمع الغربي ضد الزنوج وهذا ما يتوضح في مسرحية (الظباء) من خلال شخصية الرجل الغربي الذي يعمل في احدى البلدان الافريقية وان أسلوب استغلال الرجل الأسود (الزنجي) اقتصاديا واجتماعياً وسياسيا بوصفه لا يمتلك (الوعي) احدى اهم الرؤى العنصرية إزاء الزنوج والتي تجلت بصورة واضحة في مسرحية الظباء من خلال استغلال الأطفال والعمال الزنوج ومن خلال التهكم على مستوى الخدمات المقدمة في تلك البلدان كما تمثل المرأة (الزوجة اليزابيث) في مسرحية الظباء خطاب الصوت المعتدل والنقيض في المجتمع الغربي وهو احدى المعالجات الدرامية التي لجأ لها المؤلف من خلال خلق بنية جدل وصراع مستمر من اجل المناداة بقضية الزنوج بوصفها خارجة عن أطر السلوك الإنساني ويمثل الرجل في مسرحية الظباء (الزوج لارسن رون اكمان) طبيعة المجتمع الغربي ونظرته الشمولية الى المجتمع الزنجي.

التصنيفات: فنونمسرح