باسم قهار : انك تنقد لأنك موجود

باسم قهار : ( الدولة العميقة ، خط أحمر ، بغداد الشرقية ) خرجت عن النمط الدرامي العراقي  

باسم قهار : أنا مخرج أجيد التمثيل والمسرح فضاء حريتي

حاوره : احمد طه حاجو

اسم قرن بالإبداع .. أينما يوجد يولد التميز والرقي والجمال، يختار أعماله بهدوء وتأمل ، هو ينتمي للإخراج أكثر من التمثيل برغم تفوقه الملحوظ بالتمثيل . اخرج للمسرح العديد من المسرحيات منها : الأغنية الأخيرة ، العربانة ، انتظار غودو ، ماكبث. و اخرج للتلفزيون مسلسل ( الباب الشرقي ، بغداد الجديدة ، خط احمر ، الدولة العميقة ) وغيرها ، عرضت على قناة (الشرقية ) وله مشاراكات عديدة بالتمثيل في أفلام عالمية .. مثل (كارلوس، الزواج ) باللغة الإنكليزية  أما للتلفزيون فكانت له مشاركات بمسلسلات عديدة منها ( نزار قباني ، فرقة ناجي عطا الله ، ملوك الطوائف ، أسد الجزيرة ، هدوء نسبي ، الحسن والحسين ، خالد بن الوليد ) . انه الفنان باسم قهار، من مواليد 1962 بغداد حاصل على بكالوريوس في الإخراج المسرحي عام ( 1984 _1990 ) من جامعة بغداد ، عمل أستاذاً للتمثيل في المعهد العالي للمسرح في ( سوريا ) ، قدم عروضه المسرحية في عدة دول ( استراليا ، دمشق ، لبنان ) بالإضافة لعروضه التي قدمها في ( بغداد ) و( السليمانية ) ،  وقد اختير عضواً في لجان تحكيم لعدة مهرجانات عربية التقته مجلة البصرة الثقافية واجرت معه هذا الحوار :

*كيف تختار مشاركاتك الفنية؟

_غالباً ما تعرض علي النصوص أو السيناريوهات والأدوار للإخراج أو التمثيل وعند قراءتها أحدد اختياري بما يلائم رؤيتي الفنية والفكرية ، هناك عدد من المشاريع التي اعتذرت عنها لأنها لا تتفق مع تصوراتي وأفكاري .

*أين تجد ( باسم قهار) أكثر في التمثيل أما الاخراج؟

_أنتمي للإخراج أكثر من التمثيل .. الاخراج خلق ورؤية للعالم ، التمثيل محدود بقدرته على قراءة العالم لأنه يحاكي ويبحث في التجسيد بينما الإخراج هو بث الرؤى والأفكار والمعرفيات وإعادة صياغة الحياة أو اقتراحها ..انا مخرج أجيد التمثيل .

*الباب الشرقي ماذا يمثل لك؟

– أول مسلسل أخرجه وانتمي إليه بقوة لأنني كنت منتمياً له فكرياً وأيضاً المساحة الفنية التي عملت عليها كانت واسعة ومتجددة وأيضاً كان أغلب ممثلي المسلسل من الشباب الذين أحبهم وانتمي لروحهم ونزوعهم الفني .

*ما مدى تأثير الحرية على الإنتاج الفني؟

_لا فن بلا حرية مثلما لا حياة بدون حرية.. بغياب الحرية يبدو أي عمل إبداعيناقصاً وغير مكتمل .. الفن الذي تحكمهقوانين الرقابة القائمة على أحكام الدينوالقيم القبلية والموروث الأخلاقي المستبدسيبقى عاجزاً ومريضاً ولن يبلغسن الرشد ابداً.

*كعضو في لجنة التحكيم في مهرجان السليمانية السينمائي الدولي…كيف رأيت المستوى في المهرجان؟

-المستوى التنظيمي وجود الأفلام والإقبال الجماهيري كان مفاجأة بالنسبة لي ..هناك أفلام عالمية على مستوى عالٍ وأيضاً أفلام قصيرة جميلة من تركيا وإيران وسوريا والعراق …المهرجان بدورته الأولى نجح بقوة وأن وقع ببعض الأخطاء مثل تراكم الأفلام التي تشاهد في اليوم الواحد وتقنيات العرض التي تحتاج إلى دور عرض محترفة.

*ما تقيمك للدراما العراقية عربياً ؟

*

_للأسف ما زالت الدراما العراقية غائبة تماماً عن الشاشات العربية وعن المشاهد العربي الدراما العراقية بمستواها الفني لا تستطيع المنافسة على الإطلاق فهي فقيرة الإنتاج أسيرة لموضوعات مغرقة بمحليتها ولا تشكّل إغراء او هاجساً للمشاهد العربي ، تحتاج الدراما العراقية أن تكون صناعة من خلال تأسيس بنى تحتيّة وتقاليد عمل وتأهيل محترفين … وإن يكون الإنتاج خارج سياسات القنوات بل من خلال منتجين وشركات تضخ أموالاً وتسوق وتنافس .

*كيف ترى الإنتاجات الفنية ما بعد الأزمات ومنها الربيع العربي؟

_ممكن القول أن الدراما المصرية والدراما السورية حاولت التعبير والتفاعل والتعرض لما حصل عربياً في ما سمي الربيع العربي .. لكن هذه الإنتاجات ظلت محدودة وغير جريئة بما يكفي للتعبير عن عمق الأزمة وثمنها الباهض … يمكن القول إن الأموال المنتجة لم تسع للتعبير عن هذه الأزمة والتصدي لها للبقاء خارج الاسفاف السياسي الذي سيسقطه المشاهد وكذلك القنوات التي ستشتري هذه الأعمال ما يعرضها للخسارة والمواقف الصعبة. لكن السينما المصرية قدمت افلاماً شجاعة وذكية وبميزانيات إنتاجية بسيطة للتعبير عن هذه الأزمة.

*أين تجد نفسك في المسرح أم التلفزيون؟

_المسرح فضاء حريتي ومكان قولي للحقائق انه المكان الذي أعلن فيه غضبي وتمردي ورفضي .. المسرح طريقة تفكيري بالعالم وخياري النهائي للتعبير .. اما التلفزيون فهو جهاز إعلامي واستهلاكي لا يرتقي أن يكون فضاء للتفكير هو بالنسبة لي عمل .. التمثيل مهنة في التلفزيون أما الإخراج في المسرح فهو خلق ورؤية وتفكير.

*ما مدى تأثير الغربة عليك؟

_أنا منذ 26 سنة خارج العراق أي نصف عمري بالضبط كنت أعاني من موجات الحنين ووجد البعد لكني بعد مرور السنوات اعتادت روحي على البعد كمن يعتـاد ويدمن الألم .. بعدي عن العراق سلب مني حاضنة إبداعي لكني في نفس الوقت كنت في ثقافات وبيئات متعددة أنضجت رؤيتي للعالم والفن .

*ما هي معاناة المخرج في الوطن العربي وهل ما زال يعاني من الرقابة ومن الخطوط الحمراء؟

_لم يتخلص الفنان العربي مخرجاً أو غيره من الرقابة لنقول هل ما زالت .. الرقابة السياسية والأخلاقية والدينية

والاجتماعية كانت ومستمرة وهو تقوى باستمرار باتجاه خنق الفنان والمثقف للسيطرة عليه وتأطيره وتضيق

مساحة خياله ورؤاه .. أكبر ما يطمح له الفنان العربي هو التحرر من مستعمرة الرقابة.

*لماذا الفنان العراقي محدود الانتشار عربياً وعالميا برغم ما هو عليه من إبداع؟

_– يفتقد الفنان العراقي لموهبة الانتشار والخروج بفنه خارج الحدود… الفنان العراقي مثل الشخصية العراقية محلي ومتمسك بيئته وملتصق بجغرافيته للحد الذي يجعله لا يفكر بإرسال إبداعه أبعد من مدينته لو نظرت للهجرة العربية المبكرة للغرب والأمريكيتين ستجد اللبنانيين والسوريين والمصرين والفلسطينيين ، لكنك لا تجد عراقيين هاجروا في بداية القرن العشرين لأي قارة أخرى هذا يثبت أن العراقي متجذر في أرضه ومحلي الهوى .

*الباب الشرقي والحلم؟

_الفنون أحلام ..لا فن بدون حلم .. نعم مسرحياتي أحلام وسعيت أن يكون الباب الشرقي حلماً .. حاولت لكن التلفزيون جهاز واقع قلما تجد الأحلام مكاناً لها فيه… لكني لا استطيع أن أقدم أي شيء تشاهده الناس بلا الجماليات البصرية.

*هل حققت طموحك من خلال ما اخرجت من اعمال درامية ؟

_ لم يشكل لي الاخراج التلفزيوني هاجساً ، بمعنى انه لا يثر قلقي ولا يثير اسئلتي الجمالية ولا طموحي الفني الكبير ، ليس انتقاصاً من هذا الاخراج ولكن لا اجد فيه منطقة تأمل حقيقية ومنطقة تفكير كما هو في السينما او كما هو المسرح ، واخيراً بدأت الدراما تذهب الى التقنيات والبصريات المحبوكة في نوعاً من الجاذبية والبوليسية ، بشكل عام لم يكن لي طموح لأحققه كمخرج في التلفزيون .

*ظاهرة ارتفاع مستوى المشاهدات للأعمال الدرامية عبر اليوتيوب ، هل تدلل على نجاح تلك التجارب من تلك ؟

_ ممكن نعم وممكن لا ، نعم لأن الناس توجهت لها  ، لأن المعيار الجمالي أو الفني أو الفكري ليس حاسماً ، لأن لديك تعدد في الفئات المتعلمة وغير المتعلمة ، وان العمل كم يحمل من مواضع جاذبية للمشاهدين ، والسبب الآخر لارتفاع المشاهدات هو ان الناس بدأ تبتعد عن التلفاز ليس تماماً لكن وجود الموبايل وبقربهم في كل الاوقات جعل ممكن ان يشاهدوا ما يريدون باي وقت وممكن ايقاف الفيلم او المسلسل ، وليس كالتلفاز الذي يحكم المشاهد بوقت محدد . 

* كيف تتعامل مع السيناريو … هل تقيم علاقة صداقة معه أم تتعامل معه بديكتاتورية؟

_إذا كان مسرحية أو سيناريو فإن علاقتي بشخصياته وأماكنه غالبا ما تحتل عقلي وقلبي وتأخذني من حياتي

اليومية لصداقة هذه الشخصيات والاستئناس بأماكنها .. نعم أحيانا أشعر بأني مسكون بشخصيات وأرواح

النصوص ولا يبدو الخروج من هذا إلا بالوصول للعرض حيث تكمل الشخصيات دورتها وتنتهي لتأتي شخصيات أخرى وهكذا إنها دورة الحياة .

*ماذا قهرت في حياتك؟

_ قهرت غربتي ومحليتي وامتلكت إرادتي في تحقيق جزء مما أحلم.

*كيف تقيّم مسلسلاتك ( الدولة العميقة ، خط احمر ، بغداد الجديدة ) ؟

_ غالباً ما يكون التقييم خارج رأيي الشخصي كوني جزء فاعل في هذه الاعمال ، لكنها اعتبرت مسلسلات خرجت عن النمط الدرامي العراقي ، وشكّلت نوعاً من الاختراق نوعاً ما مع ارث ثقيل جامع غير متحرق للدراما العراقية ، بوسعي ان اقول ان هذه الثلاثية شكلت نقلة نوعية على المستوى الفني ومستوى الكتابة والاداء والاخراج ، وارجو ان تكون قد اثرت وانا واثق من انها اثرت ووضعت حافزاً دافعاً للدراما العراقية .  

*هل انت راضٍ عن تجاربك في المسلسلات العربية ؟

_ نوعاً ما نعم ، ليس تماماً ، لكنها مرضة لي لأني قمن بأدوار بطولة وأدوار متوسطة واجوار ضيف شرف ، لكني لم اقدم دوراً بسيطاً ويمكن لأي احد القيام به ، غالباَ ما اختار ادواري واتوقف عنها كثيراً ، فقدمت تقريباً من 40 إلى 45 مسلسل عربي  بين مصر وسوريا والكويت استطيع ان اقول موهبتي اكبر من الذي قدمته لكن المتاح الذي عملت عليه وضع خصوصية وهوية واسم في الدراما العربية . 

* كيف هي علاقتك مع الكتاب الورقي في ظل هجوم العولمة ؟

_ما زلت اميل إلى الكتاب المطبوع ، لان العلاقة هنا ليس معرفية ، لكنها تؤسس على مزاج وعادات والتحضير النفسي والذهني للكتاب المطبوع ثقل معنوي وايضاً وجداني رائحة الكتاب تقليب الصفحات او وضع علامة بين صفحات الكتاب او كتابة ملاحظة على الكتاب تجعل القراءة قريبة من التوحد بينك وبين الكتاب او الجريدة وعلاقتي مع الجريدة كانت قوية إلى قبل خمس سنوات لم افكر اني في يوم ممكن ان اتخلى عنها  وعن وقراءتها اليومية ، لكن ما متاح في السوشيال ميديا يجعلك تطلع على الجرائد بصورة يومية.

*هل تعرضت للنقد ، وكيف تتعامل معه ؟

_ طبعاً تعرضت للنقد كثيراً ، اتعامل معه على ان للأخرين رأيهم وردود افعالهم وانطباعاتهم ، لكني بعض الاحيان افسّر النقد على انه نقد فني وجمالي ، وبعض النقود تخرج عن هذا المعيار باتجاهات اخرى ، كل هذا لا اقول بانه لا يعنيني بقد اني استفاد من النقد واتحمل لأني مسؤول عن العمل وهذا العمل لا يمكن ان يرضي الجميع  فكرةً  او اداءً او نصاً او رؤيةً  ، … الخ . النقد اعتبره جزءاً من رحلة الفنان ، الفنان بلا نقد بمعنى غير موجود أي انك تنقد لأنك موجود .

*كلمة أخيرة ؟

_شكراً لكم وشكراً لمجلة البصرة الثقافية وامنياتي لكم بالتوفيق .

التصنيفات: فنونمسرح